يكتسب كثير من الناس شعبية كبيرة لدى المجتمع لأنهم لا يضعون الحواجز أو الأسوار العالية بينهم وبين الآخرين، وعندما نتمعن قليلا ً في كيفية اكتسابهم لمحبة الناس نجد أن ذلك لا يتجاوز إلقاء التحية بغض النظر عن مستوى المتلقي لها اجتماعيا ً وثقافياً، فهم يؤمنون بأن إلقاء التحية يعزز سمة التواضع، ويزيد من أواصر المحبة بين الناس، بل إنها الطريق الأمثل لفتح القلوب.
وتؤكد مدى المسفر (موظفة) على أن إلقاء التحية توجيه إسلامي وأمر ضروري لتوطيد العلاقات الاجتماعية ونشر الألفة والتسامح بين الناس، وتضيف" عندما أكون في مكان عام لا أخجل من إلقاء التحية، بل أتعمد إلقاءها بصوت مرتفع حتى يسمعني الجميع، كما أفضل مصافحة النساء باليد، والابتسامة اللطيفة تكسر الحواجز بين الناس مهما كانت مناصبهم، وتزيد من أواصر المحبة، وتكون سببا ً في تواضعهم مع بعضهم البعض"، وترى المسفر أن بعض الناس وخاصة الشابات في سن الجامعة لا يلقون التحية إما خجلا أو تكبرا.
وترى عبير(مترجمة بأحد مستشفيات الرياض) أن نوع التحية الملقاة يعتمد على الشخصيات التي تلقيها عليها وتقول "إذا كنت في مقر عملي ألقي تحية الإسلام (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) لأنها أفضل تحية يمكن أن ألقيها في أي دائرة حكومية، وهي تنم عن الاحترام للشخصية سواء كان مديرا أو موظفا، كبيرا أو صغيرا، وألقي السلام عادة إذا علمت بأن هناك حواراً سيدور بيني وبين الشخص المعني، وبحكم طبيعة عملي فإن أي مراجعة تدخل إلى مكتبي بدون إلقاء أي نوع للتحية أشعر بعدم ارتياح معها".
وترجع عبير عدم إلقاء البعض للتحية إلى الخجل في كثير من الأحيان، وتقول "في حياتي الخاصة أعترف بأني لا ألقي التحية عادة عند دخولي المنزل خاصة إذا أردت أن أعرف ما يدور في المنزل أثناء غيابي".
أما نهلة (موظفة) فتقول" عندما أدخل المنزل ألقي التحية، وأحياناً أنسى ذلك عندما أكون مشغولة بالتفكير في شيء ما، ولكن بعد قليل أعود لوعيي وأتنبه بعد رؤية نظرات الاستنكار من العائلة وألقي السلام، وفي البداية كنت أقول (هاي) إلى أن ذهبت في أحد الأيام إلى حفلة كبيرة، وعند دخولي للمجلس قلت بأعلى صوتي (هاي) للجميع، وما إن تلفظت بها حتى وبختني إحدى قريباتي أمام الجميع نظرا ً لأني في نظرها لم أحترم عادات المجتمع التي تنص على إلقاء التحية بـ (السلام عليكم)، ومنذ هذا الموقف لم أتلفظ بـ(هاي) أبدا".
وأكدت أم سلطان (معلمة) أهمية تعود الأطفال على إلقاء التحية منذ الصغر عن طريق اكتسابها من الوالدين أنفسهم، وعلى الآباء أن يعلموا أبناءهم في المنزل طريقة إلقاء التحية عند الذهاب إلى المناسبات الكبرى، وتشير أم سلطان إلى أن البنات لديهن جرأة ومهارة أكبر في إلقاء التحية أكثر من الأولاد، والاتزان والوقار تتحلى بهما الفتيات أكثر من الصبية.
وأضافت " من خلال عملي كمعلمة فإن من قوانين الفصل المدرسي الاستئذان وإلقاء التحية عند دخول الفصل، ونعلم الأطفال ذلك منذ الأسبوع التمهيدي الأول للدراسة " وتلاحظ أم سلطان أن كثيراً من المعلمات لا يلقين التحية عند المرور بجانب معلمة أخرى، وهذا قد لا يكون مقصودا، وإنما هي طبيعة هذه الشخصية التي لم تعتد على إلقاء التحية أو حتى الرد على التحية.
وتقول الاختصاصية الاجتماعية أمينة كاظم" لإلقاء التحية دور في توسيع العلاقات الاجتماعية بين الناس، والتحية أساس تكوين علاقات إنسانية أولية بين أفراد المجتمع لأنها تقرب المسافة بين الأفراد، وفي نفس الوقت تضيق الفجوة فيما بينهم نتيجة الاتصال المباشر وجها لوجه، وعندها سيقوى التفاعل وستتقرب مشاعرهم". وأضافت أنه عندما يدخل شخص إلى مكان ما ويلقي التحية فإن هذا يدل ويؤكد على إنسانيته ورقيه، حتى ولو كان ليس على معرفة بمتلقي التحية".
وترى كاظم أن إلقاء التحية من شخص لآخر تبع هو لاختلاف ثقافاتهم، كما أن هناك كثيراً من الناس لا يلقون التحية، خاصة إذا دخلوا إلى مكان لا يعرفون من به، وفي رأيي أن هذا يعتمد على ذات الشخص وطبيعة البيئة التي خرج منها، فعندما يتعلم الطفل منذ صغره أهمية إلقاء التحية على الآخرين سيكبر وسيكون إلقاؤها شيئاً طبيعياً بالنسبة له، وأحيانا ً يعتمد إلقاء التحية على الآخرين أو عدمها على مزاجية الشخص أو مصالحه الشخصية أو نظرته للآخرين".